تخيل أن تسقط في حفرة عميقة، وتفقد، إلى جانب عدم قدرتك على الحركة، صوتك وكل وسائل اتصالك بالوجود أو اتصاله بك، وتظل تراقب دبيب الحياة وتنصت إلى هدير وحركة العالم في الأعلى دون أن يشعر بوجودك أحد، في ذلك المكان الذي يطل على الحياة ولكن من أسفلها..!! الأكثر مأساة أن هذا تقريباً هو أكثر وأقرب وصف يمكن أن ينطبق على حالنا نحن اليمنيين في الواقع الذي نعيشه اليوم..
○ نحن معزولون تماماً عن العالم بأكمله، وإن وصل إلى غيرنا شيء عنا، فليس أكثر من أننا وبلدنا مجرد حضن ومأوى لمليشيا إرهابية تهدد الأمان وتشرخ السلام الاجتماعي والوجودي عموماً، في منطقة تعودت على (احتضان) الجماعات الإرهابية والتعايش معها، سواء أكان ذلك التعايش قسرياً أو طوعياً، وليس (المعاناة) نتيجة وجودها وانتشار أذاها وأثرها السلبي تجاه المجتمعات التي تتواجد فيها..!!
○ هكذا وحسب ينظر إلينا من لا يزال ينظر إلينا في أنحاء العالم.. وهكذا تحولنا من بلد ناهض يحاول أن يوفر لأبنائه الحدود الممكنة وإن كانت دنيا، من وسائل التواجد والاندماج بالعالم الجديد والحياة المتجددة، إلى كومة من الفوضى واللاحياة، ومن شعب طامح في مقاربة الأفضليات الممكنة للعيش ومحاولة مسايرة الشعوب التي تحظى بالعيش الرغيد والرفاهية، إلى شعب أصبح أقصى أمنياته النجاة من موبقات ثلاث: الجوع، السجن، الموت..!!
○ نعم هكذا نعيش في جغرافيتنا المشغولة بانقلاب جماعة الحوثي المارقة، لينظر إلينا جزء من العالم الذي حولنا، وكأننا جميعاً هذه الجماعة الإرهابية..!! بينما يتعامل معنا الجزء الآخر على اعتبار وقياس مصالحه وغاياته في بلدنا وفي المنطقة عموماً.. لنصبح للأسف الموجع مجرد حالة أو صورة مشهدية عليها أن توجد أو تعاش ليتحقق لكل رؤية من الرؤيتين أسباب وجودها..!!
○ تحولنا إلى وقود أو مجرد قش يوقد بأية طريقة من طرق الإيقاد، ليؤشر فقط أن هناك بلداً في هذه الجغرافية كان اسمه اليمن، بغض النظر عن حال من يقطنه أو يعيش أو يعاني بداخله..!! والأمر الأكثر مأساة أننا، سواء كنخب أو كشعب عموماً، لم يعد بأيدينا شيء يمكِّننا من الرفض أو تغيير المصير الذي صرنا إليه..!! لأننا منذ البداية سلمنا قيادنا للراهن ليسوقنا أينما يشاء ويعبث بنا كيفما يشاء، ويرسم مصيرنا حسب مشيئته وانتفاعه..!!
○ أين سيتوقف بنا الأمر..؟ وإلى أي حد ومدى سيدوم هذا العبث الذي نعانيه..؟ سؤالان تصحبهما أسئلة كثيرة أخرى، من الصعوبة بمكان أن نجد لها إجابات قطعية، لأننا مجرد بيادق جامدة أو قطع أثاث بالية، يمكن الاستغناء عنها ورميها في مخازن الخردة، إن لم يكن التخلص منها ورميها إلى مكبات النفاية، ما دمنا على هذا الحال السلبي من التواجد الذي يبدو وكأنه تواجد زائد عن حاجة الوجود..!!