آراء

صناعة الوحشة

فكري قاسم

|
01:32 2023/08/08
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

إلى ما قبل توسُّع نشاط الجماعات الدينية المتزمتة، مطلع التسعينيات، كان لدى اليمنيين اهتمامات أنيقة.

كانت الأستريوهات تصدح بكل جديد للطرب
وكان المجتمع يعرف الله، ويعرف الرسول، ويعرفون الآنسي والسنيدار والمرشدي وفيصل علوي وأمل كعدل ومحمد سعد عبدالله وأيوب والحارثي وابوبكر سالم وكرامة مرسال .

وكان سوق الأغنية اليمنية يمطر الذائقة، بداية كل عام، بأكثر من ألبوم غنائي لأكثر من فنان محلي
وكانت ذائقة الناس حلوة، والفرح ينط من شبابيك البيوت، ومن يوم تسربت إلى حياتنا اليومية فِرق الجهاد وجماعات الدين المتزمتة، اندثرت الأستريوهات، وخرست الأغنيات.. ومات الفرح، وارتفعت أصوات كاسيتات الوعظ المتشنج، وتسجيلات صدى الملاحم.

واليوم، وأمام كل هذا الدمار الحاصل باسم الله، لا يعرف المجتمع أين الله من بين كل هذه الدماء، ولا يعرفون “أحمد بن أحمد قاسم”، ولكنهم يعرفون جيدًا “قاسم الريمي”، و”جلال المرقشي”، و”العولقي”، وبقية شلة صناعة الوحشة.

خاضت فرق الدين المتزمتة حربًا ضروسًا ضد الفنون، وضد ذائقة المجتمع، وفي سبيل إحلال أصواتهم الموحشة مكان أصوات فنانين غنّوا للأرض وللحب وللإنسان، تنقلوا بين الحواري الفقيرة ودقوا باب كل بيت يوجد فيه مكتبة غنائية أو كرتون أشرطة، وطلبوا منهم باسم الله وباسم الجنة استبدال تلك الأشرطة “المنكرة” بأشرطة تحكي عن عذاب القبر وعن دين كمّل الناس فجايع.

في الأسواق أيضًا فرشوا البسطات على جنبات الطريق وملأوها بكاسيتات وعظية ، ووضعوا إلى جانبهم أكياس قمامة، ونادوا في الناس جهارًا عيانًا:
-  هاتوا أشرطة الأغاني المنكرة ياعباد الله  واستبدلوا الواحد منهن بخمسة أشرطة للشيخ زعطان .
والناس غلبانة استبدلت صوت الحياة بأصوات كلها تدعو إلى الموت، وتصنع الوحشة.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية