آراء

استدراج اليمن إلى مربع أزمة إقليمية.. من يخدم..؟!

جميل العمراني

|
11:41 2023/11/04
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

لا تتوانى القوى المسيطرة في المنطقة عن استدراج اليمن إلى مشروع دولي استراتيجي، يتوافق مع مصالحها ويخدم توجهها الاستراتيجي والنفعي، ولا تغفل الدول المفعلة لهذا المشروع استغلال الأوضاع السياسية المرتبكة وغير المستقرة في معظم أنظمة المنطقة، ومن بينها اليمن الذي يحتل موقعا جغرافيا استراتيجيا ذات أهمية عالية وقصوى، خصوصا بإشرافه على مضيق باب المندب، والذي يعد معبرا مهما لربط الشرق والغرب من جهة.. ويفصل بين بحرين مهمين، البحر الأحمر امتدادا إلى قناة السويس شمالا، والبحر العربي امتدادا في جهتين باتجاه القرن الأفريقي الذي تتواجد فيه القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، وأيضا باتجاه خليج عمان وأقصى الشرق..

ومن هنا تنبع أهمية الموقع الجغرافي الحساس لليمن ، ليس اقتصاديا وحسب، وإنما أيضا عسكريا وسياسيا بما يخدم المشروع المشتغل عليه حاليا من قبل الغرب، والمتمثل في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بشكل كلي، وبما يخدم حلف الأطلسي في حصار وتطويق روسيا وإضعافها في حربها مع أوكرانيا، ومحاولة كسب الحرب غير المباشرة بين طرفي الشرق والغرب، والحد من عودة محور الشرق الذي أطل برأسه مؤخرا، والذي تمثله وتتبناه روسي وحلفاء مهمون لها في الشرق كالصين وكوريا الشمالية ودول مشرقية أخرى في محاولة القضاء على المحورية الفردية والمطلقة التي تستأثر بسيطرة مستغلة على العالم منذ أكثر من ثلاثة عقود..

تتعامل القوى الغربية النافذة مع بلدان المنطقة وفي مقدمتها الدول العربية ليس كدول لها أثرها الاقتصادي والاستراتيجي، وإنما وكأنها ملكية خاصة في حال التأجير أو الإعارة لأنظمة وشعوب المنطقة. وتحاول مصادرة القرار الفردي والجمعي، كما تنجح في التأثير على الأنظمة، إن لم يكن عبر شكلية الاتفاقيات الدولية المتبادلة، فعبر تحالفات ظاهرة وباطنة، مع أهم القوى المؤثرة شعبيا وسياسيا وحتى عسكريا.. وعبر هذا النسق الضاغط تستطيع الدول المعنية الاستحواذ على القرار شبه المطلق، وتفعيل الحراك السياسي والاجتماعي عبر قوى قد تبدو أحيانا، خصوما حسب التصنيف الظاهر والمتعارف عليه لدى تلك الدول وفي خطابها السياسي العام..

كان لابد من هذا التمهيد لئلا أسمح بحكم أو تقدير التحامل على أي طرف سواء من جهة الغرب أو جهة القوى المعنية، التي تعبرها أجندات الدول المهيمنة، إن لم يكن بالتوافق والتحالف، بطرق أخرى تظهر في شكل الخصومة أو بالأصح الصناعة المقننة للخصوم، وهو ما يتمثل في حالة مليشيا الحوثيين الانقلابية في اليمن، والتي تعتبر وسيلة ناحعة أو طريقا سالكا لاستدراج اليمن في الوضع الراهن في المنطقة، بهدف واضح هو مصادرة السيادة و السيطرة على أهم المنافذ البحرية، التي تشكل حاجة ضرورية لتنفيذ مشروع الدول المهيمنة في المنطقة..

وما تجب الإشارة إليه أن مليشيا الحوثيين  (الانقلابية) تدرك جيدا ذلك الاستدراج، ولا يتم بعيدا عن فهمها، ولكنه في نفس الوقت يتوافق مع مشروعها الانقلابي الذي يتطلب أجواء الفوضى السياسية واللا استقرار، ويقوض أي مشروع كان ممكنا معه إنهاء الأزمة السياسية القائمة في اليمن، وهو أيضا يلبي حاجة المشروع الذي تديره الدول المهيمنة، فحضور النظام والدولة ذات السيادة المطلقة لا يخدم بأي حال أيا من الطرفين..

وبالتالي فإن استدراج اليمن إلى الأزمة الإقليمية الناشبة والمنذرة بالتوسع، قد انطلق وأصبح استغلاله ممكنا، خصوصا بعد انتشار أخبار دولية بإطلاق الخوثيين صواريخ لاتجاه اسرائيل، وطبعا الخبر كاف لاستغلاله سواء كان خبرا صحيحا، أو لم يكن، وسواء أكان هناك أثر أم لم يكن، المهم في الأمر هو الجحة الكافية لاتخاذ إجراءات دولية تجاه اليمن، وهو للأسف ما ينذر بتعميق وإطالة الأحوال السيئة واللامستقرة التي يعانيها اليمنيون نتيجة انقلاب الحوثيين منذ العام ٢٠١٥م.. خصوصا مع مسارعة المليشيا في التجاوب مع ذلك الاستدراج الذي جاء لينقذها من مأزق أية اتفاقات كان يخطط لها من قبل دول الجوار، ويقدم لها بذلك خدمة لم تكن حتى تحلم بها.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية